الجمعة، 11 سبتمبر 2020

 

توثيق التراث الشفهي السوداني- 3

معتصم الحارث الضوّي

SudanDocuCentre@gmail.com

21 مايو 2020

 

تركنا صاحبنا يغادر ديوان النائب العامة بخطوات متثاقلة. وقف تحت شجرة ظليلة في شارع البرلمان يفكر بالأمر، وضاقت الدنيا عليه بما رحُبت، بل وتناشبته مشاعر القنوط، ولكن فجأة أشرقت في ذهنه فكرة:

تأجيل الموضوع حتى.. سقوط النظام!

 

الآن وقد سقط هُبل، حان الوقت لنفض الغبار عن المشروع وإعادته إلى الطرح العام لكي يرى النور، ويجني شعبنا ثماره، ولا يخفى على ذي بصيرة أنه ليس هدفا في حد ذاته، بل وسيلة مثلى لتحقيق غاية نبيلة، ألا وهي توثيق التراث الشفهي الذي يُخشى أن نفقد معظمه إن لم نسارع بالعمل، وتفعيل التواصل الثقافي بين المكونات المتباينة للشعب السوداني، وتصحيح اللُحمة الاجتماعية التي تمزقت شذر مذر، وتجذير الوحدة الثقافية تأسيسا وترسيخا للوحدة الوطنية، إذ لا وحدة وطنية بين أعراق تنظر إلى بعضها البعض بدونية مقيتة، ولا حديث عن تنمية شاملة -ننشدها جميعا- والمواطن يخضع أينما حل وذهب للتصنيف والمواقف المسبّقة بناء على لغته وعرقه وثقافته، ولا سلام دون فهم الآخر والقبول به، ولا نهوض إلا بخلق أمة تتجانس وتتكامل اجتماعيا ومعرفيا في إطار فسيفساء رائعة من التنوع.

 

لقد طرح صاحبنا منذ عدة شهور فكرة أوّلية أسماها "ثالوث الانعتاق"، ومفادها بأن الحل الناجع للمشكلة المعقدة التي تعانيها بلادنا يقتضي العمل الدؤوب والمتزامن على ثلاثة محاور؛ الإعلام والتعليم والمجتمع المدني، ولعمري أن إنشاء مركز سوداني أهلي لتوثيق التراث الشفهي إحدى السبل التي تسعى على المحاور الثلاثة من أجل نهضة البلاد ورفعة أهلها.

 

إن العديد من الجهات تبذل جهودا مضنية لرصد التراث وتوثيقه، وتشمل دار الوثائق القومية السودانية، ومركز الدراسات السودانية، والمكتبة الوطنية السودانية، ومكتبة جامعة الخرطوم، ومعهد الدراسات الإفريقية والآسيوية بجامعة الخرطوم، ومركز محمد عمر بشير للدراسات السودانية بجامعة أم درمان الأهلية، ومكتبة الإذاعة والتلفزيون، وغيرهم كثير.

 

أما المركز الأهلي المقترح لتوثيق التراث السوداني الشفهي ففكرة تسعى إلى التعاون الوثيق مع تلك الجهات؛ لتتكامل الجهود ويتضافر العمل، خاصة وأن ذاكرة بلادنا تحمل من الذخيرة الثقافية والمعرفية غير الموثقة ما ينوء برصده وتوثيقه جهة بذاتها، ومهما تعاظمت إمكانياتها المالية والبشرية.

 

هنا أُذكرُ بتجارب الشعوب الأخرى التي أدركت أهمية التوثيق وحققت عبره إنجازات ضخمة في خلق أمم متجانسة؛ يدرك كل من مكوناتها ثقافة الآخر، ويوقرها، ويحتفظ لها بمساحتها المرموقة في الثقافة الجمعية للشعب.

 

أمامنا تجارب الهند وماليزيا وأمريكا وغيرها من الشعوب التي سعت، وما تزال، لإنشاء الأوطان عبر بوابة التعزيز للوحدة الوطنية، والتي تستند بدورها إلى ثقافة معرفة الآخر واحترامه في دولة التعايش الحضاري النبيل.

 

بعد سقوط النظام الأسوأ على مر التاريخ أمامنا الآن فرصة فريدة لنبني وطنا "وفق ما نهوى"، فلا مكان الآن للتسويف والتأجيل، بل الوقت للعمل وفق استراتيجيات مدروسة، وخطط تنفيذية عقلانية.

 

انتهى الحديث هنا، ولنبدأ العمل.

 

مرحبا بكم (على البريد الإلكتروني أعلاه، ولاحقا عبر وسائط أخرى) للتواصل الثر والتفاكر الإيجابي، ولنضع أيدينا معا من أجل بناء الوطن المنشود.

 

 

رابط النشر على المدائن بوست

https://almadayinpost.com/2256.html

 

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق