الجمعة، 11 سبتمبر 2020


توثيق التراث الشفهي السوداني- 2

معتصم الحارث الضوّي

14 مايو 2020

 

تنامى شغف صاحبنا، بل هوسه، بالتوثيق، وتفاقمت الحال بعد أن بدأ العمل بالصحافة والإعلام، فحرص على استنطاق أي شخص يحمل إرثا شفهيا، وسعى بصورة محمومة لتوثيق الأحداث والمناسبات.

 

كُللت بعض تلك الجهود بالنجاح، فرصد حياة الروائي الراحل أحمد إبراهيم الفقيه، وبالكتابة –بمساعدة بعض الأصدقاء- طرفا من حياة الراحل حاج سعيد كسباوي رحمه الله، وحفنة من السياسيين العرب.. إلخ.

 

ذات أيام ماطرة في يوليو 2010 وصل صاحبنا إلى السودان وهو يحمل أوراقا سطرّت أحلامه، وتضمنت رؤيته لمشروع توثيقي طموح، وسبقها اتصالات واجتماعات عديدة أجرتها لجنة تمهيدية لإنشاء "المركز السوداني للثقافة والتوثيق"، وكان معظم أعضاء اللجنة من مرتادي موقع إلكتروني أدبي أنشأه صاحبنا سنة 2008 بعنوان "قافية وحرف سوداني".

 

تتابعت الجهود، وتطوّع الصديق طارق الأمين، الكاتب والشاعر والمخرج والممثل والناشط الحقوقي، بأن يستضيف "بيت الفنون" جلسة تشاورية، وبالفعل اجتمع العقد الفريد مساء 19 يوليو 2010، بحضور رفيع، تضمن محمد طه القدال، وعبد الغني كرم الله، ومحمد إسماعيل الرفاعي، وياسر فائز، وعماد الدين موسى، وجعفر بدري، وعمر حسين ديكو، وعثمان أحمد سعيد، ومحمد الأمين النور، وطارق الأمين، وحاتم الكناني، والهادي راضي، ونهال بن إدريس، وغيرهم كثر.

 

تداول الحضور حتى ساعة متأخرة من تلك الأمسية الخريفية، وأجمعوا على رسالة المركز: توثيق التاريخ الشفهي والفلكلور؛ وإنتاج الأفلام الوثائقية عن التاريخ والجغرافيا والإنسان السوداني؛ وإصدار وتحديث موسوعة الشخصيات العامة السودانية  Who’s Whoإلكترونيا وورقيا؛ ومشروع ترجمة أرشيف السودان بجامعة درم Durham البريطانية، وغيرها من وثائق التاريخ السوداني الموزعة خارج البلاد؛ وتأسيس إذاعة مخصصة لشؤون الثقافة، على أن تكون في المرحلة الأولى على شبكة الإنترنت، ثم تتحول إلى إذاعة أرضية حال توفر الإمكانيات المادية.

 

انطلق صاحبنا فرحا بعد هذا الدعم المعنوي الكبير، وطرق أبواب مسجل الجمعيات الثقافية لدى وزارة الثقافة والإعلام، واستمعت إليه السيدة المسؤولة، وهي تُعالجه بنظرات بيروقراطية متعالية، ثم أخبرته أن الخيار الأفضل هو التسجيل لدى ديوان النائب العام!

 

احتقب صاحبنا أوراقه، ومسح ما علق بكرامته من تراب بعد سقوطها على الأرض، وأسرع إلى الديوان المذكور، وبعد أن شرح هدفه مطوّلا لأحد الموظفين، قابلته رئيسة أحد الأقسام، وكانت بحق متعاونة. أصغت إلى تفاصيل المشروع وهي تهزُ رأسها موافقة، ثم أنبئت صاحبنا بأن المسؤولة في وزارة الثقافة والإعلام كانت على حق، ولكنها صححت المعلومة جزئيا، قائلة إن التسجيل لا يحدث لدى إدارتهم، بل في رئاسة مجلس الوزراء!

 

أُصيب صاحبنا بالذهول، وسألها بصوت يتحشرجُ عن السبب، فأجابت بتعاطف بأن طبيعة المشروع قد تتقاطع في المستقبل مع جهاز الأمن، ولذا يُفضّل المسؤولون وضع هذا النوع من المشاريع "الخطيرة" تحت نظرهم المباشر، وقالت لصاحبنا إن الأمر يسير إذا كانت مواقفه السياسية مواتية من النظام، فأجابها أن الوضع على النقيض تماما، فأطلقت ضحكة متشائلة، وقالت: في هذه الحال لا تكلف نفسك عناء المشوار!

 

للمرة الثانية خلال ذلك اليوم، سحب صاحبنا أرجله متثاقلا في شوارع الخرطوم، وقرر تأجيل المشروع حتى حين!

 

للحديث بقية...

https://almadayinpost.com/2229.html

 

 

 


   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق