الثلاثاء، 1 مارس 2022

هروب شاعر

 

تابعتُ النجاح الباهر الذي حققته قصيدتي العصماء "سنديانة المجاري"، والتي تناقلتها وكالات الأنباء فأذهلت الناس فور الإعلان عنها، وقطعت محطات التلفزة في أنحاء المعمورة برامجها لتنبه المشاهدين إليها، وشغلت الناس من كراكاس إلى كوالالمبور، ومن طرطوس إلى مونتريال.

لم ينقطع رنين الهاتف لحظة. مهنئون مهنئون. أما مدبرة منزلي فقد طالبت، بل هددت ونجحت في ابتزاز زايدة محترمة على مرتبها الشهري، وذلك نظير طردها، أعني تعاملها مع من تكبدوا مشقة المجئ شخصياً للإعراب عن التبريكات وتقديم فروض الولاء والطاعة.

في محاولة للهروب، أعني الاستجمام من عناء العمل. حزمتُ حقائبي متوجهاً إلى منتجعي الريفي.. كوخ الأفكار.. معمل الإبداع.. ورشة العمل الإبداعي كما أسميه.

انقضى الأسبوع الأول سريعاً، وأنا أقضي السويعات في التنزه والاستجمام ومشاهدة التلفاز. أما الأسبوع الثاني فبدا ثقيلاً، فقد اكتفيتُ من النوم، ومللتُ الراحة. لذا قررتُ أن أضع اللمسات الأولى على رائعتي الجديدة، والتي اخترتُ لها "سالومي الرخاء" أو "ديدمونة الرفاهية". لستُ أدري بعد!!

فجأة، قطع حبل أفكاري رنين الهاتف.

 

- آلو

- الأستاذ الشاعر عاطف محمود؟

-نعم. أهلاً. من المتحدث؟

- أنا النائب البرلماني مصلح أمين.

- تشرفنا يا سيدي.

- أود تحديد موعد معك يا أستاذ عاطف لمناقشة موضوع في غاية الأهمية.

- ما الموضوع يا سيد مصلح؟

- لا أرى من الحكمة مناقشته على الهاتف.

- حسنٌ. سأرسل لك خريطة الطريق إلى الكوخ الريفي الذي أقيم به الآن.

- لا داعي. أعرف الطريق. هل أحضُرُ صباح الغد؟

- على الرحب والسعة.

 

أغلقتُ الباب بعد خروج المصلح الأمين، ثم أشعلتُ سيجارة، وصببتُ قدحاً من عصيري الاسكتلندي المفضّل. يا له من عرض غريب!!

 

- أهلاً بالأستاذ مصلح أمين.

ارتشف المصلح جرعة من عصيره الفرنسي "نابليون"، وهو ينظر إليّ من تحت نظارته المذهّبة.

 

- لدّي عرض مغرٍ لك يا أستاذ عاطف. الموضوع باختصار أنه في مقابل منحنا الحقوق الحصرية في استخدام قصائدك الأخيرة، وخاصة "سنديان المجاري"، فإننا نعرضُ عليك ربع مليون دولار أمريكي بالتمام والكمال.

- من أنتم؟ وما الموضوع؟ لا أفهم شيئاً!

- أطرحُ عليك هذا العرض ممثلاً للحزب الحاكم، فإننا نرى أن قصائدك مفيدة للغاية لإدارة شؤون الحكم.

- وما دخلي أنا بشؤون الحكم!

- دخلك كبير يا سيدي. وأضاف مبتسماً: وسيزداد كثيراً لو تعاونتَ معنا.

- كيف؟

- نود استخدام قصائدك كعقوبات مبتكرة للمجرمين.

- ماذا تقول؟ هل جُننت؟

- اعذرني يا أستاذ عاطف. الموضوع غاية في الجدية.

- كيف خطرتْ ببالكم هذه الفكرة السخيفة؟

- قبل عدة أيام، كان أحد مساعديّ يزورُ صديقه لدى الاستخبارات. وكان التحقيق يدورُ في تلك الأثناء مع أحد المخربين. كان الرجل عنيداً، ويرفض الإجابة على الأسئلة المطروحة رغم صرامة التحقيق.

- تعني التعذيب؟

- يا أستاذ عاطف، أنتَ شاعر يجدرُ به حسن اختيار الألفاظ. نحن لا نعذّبُ أحداً.

- وصلت الرسالة. المهم اكمل.

- بالصدفة، بدأت إذاعة إحدى قصائدك على الراديو، فإذا بالمجرم يصرخ: أرجوكم. عذّبوني بأي وسيلة ترونها إلا قصائد عاطف محمود.

 

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق