الخميس، 26 سبتمبر 2024

الحكواتي الإلكتروني.. بين الآمال العظام والرعاع الإلكترونيين

 الحكواتي الإلكتروني.. بين الآمال العظام والرعاع الإلكترونيين

"كان ياما كان يا سادة يا كرام، ولا يحلى الكلام إلا بذكر النبي عليه الصلاة والسلام".

مقولة لم يسمعها معظم الناطقين بالعربية ممن هم على قيد الحياة الآن، فقد تجاوزها الزمن منذ عقود مضت، واندثرت صناعة "الحكواتي" من المقاهي الشعبية والملتقيات الاجتماعية إلا فيما ندر.

في سبتمبر 2016 توفي في مصر أشهر رواة السيرة الهلالية، سيد الضوي؛ وانزوت إلى الأبد مدرسة متميزة نقلت التراث الشعبي عبر قرون ممتدة.

الحكواتي رجل مسن في أغلب الأحيان. يرتدي ملابس تقليدية وإن تميزت ببعض الألوان الزاهية والزركشات البراقة، ويعتلي دكة عالية تواجه جمهور المقهى. يحتاج إلى الصوت الجهوري في زمن سبق ظهور الميكروفونات، ويتلاعب بطبقاته الصوتية علوا وانخفاضا كممثل بارع، ويمسك بأحساسيس جمهوره عبر التشويق، وحركات اليد وملامح الوجه التي ترسم أبعاد الحكاية وطبقات الرواية.

كان الحكواتي ممثلا دراميا يجني رزقه من مهنة رائعة. كان تلفزيون الشعب بلا منازع، وإن شئت مسرحا مباشرا يؤدي فيه دور السارد والراوي العليم وأبطال الرواية والمعلق على الأحداث، صابغا القصة بالحث على مكارم الأخلاق.

ظاهرة عرفتها معظم الحواضر العربية، من تونس وفلسطين وعُمان، مرورا بمصر والجزائر والسعودية، وحتى الشام والعراق والمغرب ولبنان، وقضى عليها انتشار التلفزيون والراديو منذ الأربعينيات من القرن المنصرم، ويرجع أصلها إلى ظاهرة شائعة في مجالس الأدب والمؤانسة في الأدب العربي، ورصدتها كتب التاريخ والأدب منذ العهد العباسي الأول.

سودانيا، كان للحكواتي تمظهر مختلف. يقول الأستاذ معاوية يس، الباحث المرموق في التراث الشعبي " الحكواتي بشكله في حارات المدن العربية لا وجود له في السودان وإنما ثمة ظرفاء يجيدون الحكي، وربما تكون الجدة زمان أقرب شيء للحكواتي، لكن حكاويها وألغازها تقتصر على أحفادها داخل المنزل.  يوجد شعراء ومغنون يرتجلون الشعر والغناء في مجتمعات القبائل العربية في غرب السودان كالبقارة والتعايشة والحوازمة، ويسمى الذكر منهم هدّايا والأنثى حكّامة، وقد اشتهر لدى البقارة مجلس البرامكة الذي تقتصر عضويته على الظرفاء والحُرفاء الذين يتقيدون بقوانين المجلس وضوابطه، خصوصا في تناول الشاي. اعتقد أن ظاهرة الحكواتي في المدينة السودانية لا تزال موجودة في شكل الظرفاء الذين يحكون النكات ويعلقون على تطورات المجتمع."

شهدت ظاهرة الحكواتي انكماشا منذ تلك الآونة، ولكنها عادت بجهد مدروس، فشهدت لبنان عام 2019 "مهرجان لبنان المسرحي الدولي للحكواتي"، وفي فلسطين تحوّل الحكواتي إلى رمز للنضال ضد المحتل عبر المسرح الوطني الفلسطيني «الحكواتي» الذي ظل ينبض بالحياة لسبعة وثلاثين عاماً في قلب القدس، وفي صورة نضالية تجمع بين الفن والتاريخ والدراما، يواصل  عبد الرؤوف عسقول سرد "المرثية الفلسطينية" بغية إبقاء التاريخ حياً لدى مستمعيه؛ جهد بدأه عسقول منذ ربع قرن عندما بحث عن أفضل الصيغ الفنية لإبقاء جذوة النضال مشتعلة في النفوس، ومن هنا نبعت فكرة المرثية التي ألفها وتحكي تاريخ الشعب الفلسطيني منذ أربعة آلاف سنة في سردية لا تتجاوز الدقائق العشر. لم يقتصر الاهتمام الواسع بالحكائين على هذين البلدين فحسب، بل وجد طريقه منذ أعوام طويلة إلى الجزائر، حيث يقام المهرجان الدولي “مغرب الحكايات” بمشاركة حكواتيين من مختلف أنحاء العالم.

أما  الفنان المسرحي السوري بسام داود فلجأ إلى عصرنة شخصية الحكواتي، بالانتقال من القصص الشعبية الموروثة إلى سرد القصص الحياتية اليومية والواقعية، مع الاحتفاظ بأسلوب وطريقة الحكواتي، أي أنه لجأ إلى القالب التقليدي بمواضيع عصرية وعبر نافذة حديثة هي شبكة الإنترنت التي تتيح التواصل مع البشر أينما كانوا.

الحالة التونسية كانت مختلفة بعض الشيء، إذ صاحب انطلاق التلفزة اهتمام يستحق الإشادة للاحتفاظ بهذا التراث الشعبي التليد، وارتبطت حينها مهنة الحكواتي في ذاكرة التونسيين بيد عبد العزيز العروي التي كانت تدق ناقوسا نحاسيا، وهي شارة البداية لكل حلقة جديدة من حكايات الزمن الغابر.

عادت الآن وسائل التواصل الاجتماعي لكي تنفض الغبار عن مهنة الحكواتي، وتمنحها بريقا جديدا بنكهة عصرية وتناول مستحدث، ولكنه يرتدي حلة تقليدية أصيلة، وينصب تركيز الحكائين المعاصرين في الوقت الحاضر على تقريب الحكايات التقليدية إلى ذائقة المشاهد المعاصر، وعلى نقل التراث إلى جيل النشء لحدوث قطيعة ثقافية بينه والموروث الشعبي التقليدي بسبب الانفجار الترفيهي الذي عرفه العالم خلال العقدين الماضيين، وخاصة بسبب استشراء الألعاب الإلكترونية كالنار في الهشيم.

لكن التجارب المشرقة في الحكواتية الإلكترونيين –إن صح النحت- والتي تركز غالبا على النشء ما زالت نادرة الكم، ويغلب على شبكة الإنترنت محتوى هابط تقدمه ثلة تحاول توظيف الاهتمام التقليدي بالحكائين لتسويق بضاعة هابطة، والهدف هو نيل الشهرة وتحصيل الأموال فحسب، وليس ابتناء ثقافة أو استنهاض معرفة، والمحزن أن ذلك العبث يحظى بأكبر نسب من المتابعة، وأن الغثاء الذي يقذفونه في وجوه المشاهدين يجد استحسانا من نسبة لا يُستهان بها، وذلك بالطبع أحد أعراض المشكل الثقافي الذي نعيشه حاليا.

رواة متعددون، وقصص باهتة لا تترك أثرا باقيا في النفس، ومضامين هلامية ذات قيمة محدودة، وتمجيد أبله للذات، وقوالب فنية رثة تثير التساؤل حول المخيال الإبداعي. تلك عوارض تكتنف الكثيرين ممن يدعون الانتماء إلى الحرفة الرائعة، وهنا تساؤلات عن التجارب الإيجابية ومدى استمرارها، بل وتطورها، في التأثير على النشء خاصة، ومدى استيعابها للتقنيات الحديثة ومزاوجتها بدربة والأصيل الجميل. 

هل سيظل الحكواتي الإلكتروني الذي يسعى لنشر الوعي والتنوير رهينة لمحدودية الإمكانيات الفردية، أم ستنهض مؤسسات ثقافية ناضجة لدعم التجربة، وتطوير المسيرة حتى تحتل مساحة مرموقة من عقول النشء. ربما يكون ذلك السبيل الوحيد لإيقاف سيل الفاشلين وإسقاطهم من ثقوب الذاكرة، واستخلاص تلك المساحة الزمنية المحدودة خالصة للمبدعين النافعين لكي يعتقوا الفكر من ربقة الثقافة المتعولمة.

ليست القضية المطروحة ترفا فكريا، وليست بالتأكيد محاولة لإيقاظ ماضٍ تجاوزته البشرية؛ فعقول النشء هي الرهان والغاية، ولذا فإن المسألة جديرة بالعناية وابتكار الحلول، وخاصة في زمن تصبغ نتفليكس وأمثالها ثقافة مستهجنة لتغريب العقول وتوحيش الأفئدة.

ترى.. من يلبي النداء؟!

 

 

 

 

 

 

الثلاثاء، 1 مارس 2022

هروب شاعر

 

تابعتُ النجاح الباهر الذي حققته قصيدتي العصماء "سنديانة المجاري"، والتي تناقلتها وكالات الأنباء فأذهلت الناس فور الإعلان عنها، وقطعت محطات التلفزة في أنحاء المعمورة برامجها لتنبه المشاهدين إليها، وشغلت الناس من كراكاس إلى كوالالمبور، ومن طرطوس إلى مونتريال.

لم ينقطع رنين الهاتف لحظة. مهنئون مهنئون. أما مدبرة منزلي فقد طالبت، بل هددت ونجحت في ابتزاز زايدة محترمة على مرتبها الشهري، وذلك نظير طردها، أعني تعاملها مع من تكبدوا مشقة المجئ شخصياً للإعراب عن التبريكات وتقديم فروض الولاء والطاعة.

في محاولة للهروب، أعني الاستجمام من عناء العمل. حزمتُ حقائبي متوجهاً إلى منتجعي الريفي.. كوخ الأفكار.. معمل الإبداع.. ورشة العمل الإبداعي كما أسميه.

انقضى الأسبوع الأول سريعاً، وأنا أقضي السويعات في التنزه والاستجمام ومشاهدة التلفاز. أما الأسبوع الثاني فبدا ثقيلاً، فقد اكتفيتُ من النوم، ومللتُ الراحة. لذا قررتُ أن أضع اللمسات الأولى على رائعتي الجديدة، والتي اخترتُ لها "سالومي الرخاء" أو "ديدمونة الرفاهية". لستُ أدري بعد!!

فجأة، قطع حبل أفكاري رنين الهاتف.

 

- آلو

- الأستاذ الشاعر عاطف محمود؟

-نعم. أهلاً. من المتحدث؟

- أنا النائب البرلماني مصلح أمين.

- تشرفنا يا سيدي.

- أود تحديد موعد معك يا أستاذ عاطف لمناقشة موضوع في غاية الأهمية.

- ما الموضوع يا سيد مصلح؟

- لا أرى من الحكمة مناقشته على الهاتف.

- حسنٌ. سأرسل لك خريطة الطريق إلى الكوخ الريفي الذي أقيم به الآن.

- لا داعي. أعرف الطريق. هل أحضُرُ صباح الغد؟

- على الرحب والسعة.

 

أغلقتُ الباب بعد خروج المصلح الأمين، ثم أشعلتُ سيجارة، وصببتُ قدحاً من عصيري الاسكتلندي المفضّل. يا له من عرض غريب!!

 

- أهلاً بالأستاذ مصلح أمين.

ارتشف المصلح جرعة من عصيره الفرنسي "نابليون"، وهو ينظر إليّ من تحت نظارته المذهّبة.

 

- لدّي عرض مغرٍ لك يا أستاذ عاطف. الموضوع باختصار أنه في مقابل منحنا الحقوق الحصرية في استخدام قصائدك الأخيرة، وخاصة "سنديان المجاري"، فإننا نعرضُ عليك ربع مليون دولار أمريكي بالتمام والكمال.

- من أنتم؟ وما الموضوع؟ لا أفهم شيئاً!

- أطرحُ عليك هذا العرض ممثلاً للحزب الحاكم، فإننا نرى أن قصائدك مفيدة للغاية لإدارة شؤون الحكم.

- وما دخلي أنا بشؤون الحكم!

- دخلك كبير يا سيدي. وأضاف مبتسماً: وسيزداد كثيراً لو تعاونتَ معنا.

- كيف؟

- نود استخدام قصائدك كعقوبات مبتكرة للمجرمين.

- ماذا تقول؟ هل جُننت؟

- اعذرني يا أستاذ عاطف. الموضوع غاية في الجدية.

- كيف خطرتْ ببالكم هذه الفكرة السخيفة؟

- قبل عدة أيام، كان أحد مساعديّ يزورُ صديقه لدى الاستخبارات. وكان التحقيق يدورُ في تلك الأثناء مع أحد المخربين. كان الرجل عنيداً، ويرفض الإجابة على الأسئلة المطروحة رغم صرامة التحقيق.

- تعني التعذيب؟

- يا أستاذ عاطف، أنتَ شاعر يجدرُ به حسن اختيار الألفاظ. نحن لا نعذّبُ أحداً.

- وصلت الرسالة. المهم اكمل.

- بالصدفة، بدأت إذاعة إحدى قصائدك على الراديو، فإذا بالمجرم يصرخ: أرجوكم. عذّبوني بأي وسيلة ترونها إلا قصائد عاطف محمود.

 

  

عن العوارة ومثالب أخرى!

معتصم الحارث الضوّي

25 أكتوبر 2021

 

نشرت صحيفة نادوس نيوز الإلكترونية مقالة بعنوان "طالبات يزرعن البهجة في الطرقات" عن طالبات في سستر سكول اطلقن مبادرة بعنوان "positive notes".

كانت الفكرة بسيطة ومبتكرة: توزيع قصاصات ملونة على المارة تدعو لتخفيف التوتر والابتسام ونشر التفاؤل.

الرابط: https://nadosnews.com/28927

 

 

كما تتوقع يا عزيزي القارئ، واجه البعض المبادرة بعبارة استنكار تقليدية: دة شنو العوارة* البتعملو فيها دي!

 

إذن، نحن إزاء عقلية ظلامية لا تكتفي بمحاربة أي مبادرة للتغيير المجتمعي الإيجابي فحسب، بل تسعى أيضا بشكل محموم لزرع الإحباط في نفوس القائمين عليها باستخدام كليشيهات تستند إلى إرث اجتماعي مذموم.

 

من المبكي أن مدننا أشبه بالصحاري لندرة الأشجار وغياب الأزهار، ولكن الأنكى أن نفوسنا أشبه بالصحارى؛ تكشيرا في وجوه الآخرين وجلافة في التعامل!

 

علينا تحطيم النظرة السائدة بأن طلاقة المحيا تناقض الرزانة، واستبدالها بثقافة مجتمعية جديدة تقضي بأن تبسمك في وجه أخيك صدقة، وأن البر حسن الخلق، وأن "لو سمحت" و "شكرا جزيلا" مصطلحات تليق باستخدام الرجال، وأن سماحة التعامل المصبوغة بالاحترام من السلوك الحضاري الذي تواضعت عليه كافة الأمم.

 

عبارتهم القبيحة المذكورة في صدر هذه المقالة لها تمظهرات متعددة، ومن أشنعها قولهم (عامل/ عاملة فيها)، والتي تُقال، وربما الأصح تُقذف، بكل استخفاف وتشفٍ، في وجه كل من يتلمس الدرب في الرياضة أو الفن.. إلخ، وكثيرا ما تعصف جرعتها المسمومة بأحلام ما زالت تتوكأ في طور التكوين.

 

يا معشر الذين ابتلاهم الله بنعمة الكتابة ونقمتها، ويا منظمات المجتمع المدني، ويا كل مفكر- وكل بشر يفكر:

من ينبري لهذه الحرب النبيلة ضد العادات البالية؟

ومن يبادر بالعمل لتغيير قيمٍ تُعدُ اللبنات الأساسية لما نحلم به من تغيير جذري؟!

 

 * العوارة (لغير الناطقين باللهجة السودانية) مصطلح يعني السخافة والغباوة والحمق.

  

 

دليل مختصر للتعرّف على الأخبار الكاذبة

معتصم الحارث الضوّي

31 أكتوبر 2021

 

تزخر وسائل الإعلام الورقية والإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي بالكثير من الأخبار الكاذبة التي تسعى جهات مختلفة لترويجها، وتتراوح تلك الجهات بين الحكومات والأحزاب السياسية والمؤسسات التجارية والتنظيمات المتطرفة والأفراد.. إلخ.

 

تختلف الوسائل المستخدمة لنشر الأخبار الكاذبة ولكنها تهدف بشكل عام إلى تحقيق الأهداف التالية:

 

1. الترويج: لتوجه إيديولوجي أو موقف سياسي أو أجندة معينة.

2. الإقناع: بصحة موقف ما و/أو بخطل موقف مضاد.

3. الإثارة: إشعال الرأي العام بمسألة بعينها لحشد الرأي العام حولها، أو لتحويل الاهتمام العام عن فضيحة سياسية أو ضائقة اقتصادية.. إلخ.

4. التضليل: نشر المعلومات الكاذبة لتحقيق أهداف استراتيجية أو تكتيكية.

5. التخريب: أسلوب تلجأ إليه الحكومات لتحقيق أهدافها ضد حكومات أو منظومات عسكرية أو سياسية.

 

كيف تتعرف على الأخبار الكاذبة؟

1. اقرأ بعقل ناقد، ولا تأخذ الأخبار على عواهنها، فكثير مما يُنشر غير مقبول عقلا أو منطقا.

 

2. راجع المصدر: إذا تضمن الخبر رابطا فحاول التحقق من صحة المادة الأصلية، أو دقة الترجمة إن كانت المادة منقولة من لغة أجنبية، ولكن تأكد قبل الضغط على الرابط لكي لا تصبح ضحية لما قد يزرع فيروسات أو برمجيات تجسس على جهازك.

 

3. راجع وسائل الإعلام الأخرى التي نشرت الخبر: هل يمكن الوثوق بمصداقيتها أم أنها معلومة بالتدليس.

 

4. دقق في الوقائع والأسماء والأحداث والتفاصيل والبيانات الإحصائية.. إلخ. هل يمكن مضاهاتها ببيانات منشورة في مواقع حكومية أو لدى مؤسسات موثوقة؟ هل اختيرت بعض المعلومات بصورة متعمدة لخلق انطباع أو صورة ذهنية بعينها لدى القارئ، وأُخفيت أو لم يتطرق الخبر إلى بقية البيانات؟

 

5. من اليسير بمكان معالجة الصور وتعديل تفاصيلها باستخدام برامج متخصصة. إذا كنت متشككا في صورة وترغب بالتحقق يمكنك استخدام مواقع التدقيق، مثالا Google Reverse Image Search، الذي يتيح فرصة مراجعة الصور والفيديوهات والتأكد من مصادرها. راجع تاريخ الصورة ومكان تصويرها وتفاصيلها وما إذا كانت قد تعرضت للتحوير.

 

6. استخدام مواقع التحقق من الأخبار السياسية والاقتصادية، ومن أبرزها:

www.snopes.com

www.politicfact.com

www.factcheck.org

www.fullfact.org

 

7. من الكاتب: تحقق من مصداقية الكاتب. هل يمكن الرجوع لأخبار/ مقالات سابقة نشرها؟ هل يوجد أصلا كاتب بهذا الاسم؟ وهل يمكن التحقق من شخصيته عبر الإنترنت ومشاركاته في وسائل التواصل الاجتماعي؟

 

8. هل يمكن التحقق من نسبة الاقتباسات المنسوبة إلى أشخاص بعينهم؟

 

9. هل يتسق العنوان مع المحتوى؟ أم به تضخيم؟

 

10. ما جهة النشر: إذا كانت جهة النشر غير موثوقة أو معروفة بالتضليل فإن ذلك إشارة أولية إلى التدليس.

 

11. راجع عنوان الموقع: تلجأ بعض مواقع الأخبار الكاذبة إلى محاكاة المواقع الحقيقية. مثالا: abcnews.com.co، وذلك لمحاكاة موقع abcnews.com الإخباري. انتبه لعنوان الموقع.

 

12. راجع القسم التعريفي في الموقع "من نحن". هل يوفّر الموقع معلومات تفصيلية أم يتهرب من إيرادها؟ هل يوجد عنوان جغرافي يمكن الوصول إليه؟ هل توجد أرقام هواتف؟

 

13. ابحث عن مقالات/ أخبار مشابهة في مواقع وكالات الأنباء والمواقع الموثوقة. هل أوردت الخبر أم لا؟

 

14. انتبه إلى أسلوب الكتابة. هل الأسلوب ركيك ولا يليق بصحيفة/ موقع إخباري محترم؟ هل تتعدد الأخطاء الإملائية والنحوية؟

 

15. هل يتعارض الخبر مع أخبار سابقة موثقة؟

 

 

رسالتي في الختام للقارئ  الكريم: إذا تشككت لأي سبب فلا توزع الخبر ولا تعتمده حتى يتواتر نشره في المواقع الرصينة. ساهم بدورك في إطفاء فتنة الأخبار الكاذبة والأفكار الهدامة، خاصة وأننا جميعا نقضي ساعات مقدرة من أعمارنا في قراءة الأخبار والاطلاع على مواقع التواصل الاجتماعي.

 

الحياة بعد الرأسمالية

(اقتصاد المشاركة)

Parecon: Life After Capitalism

صادر في بريطانيا عن دار Verso سنة 2003، والترجمة العربية سنة 2005

 

مايكل ألبرت

من مواليد 1947، وهو ناشط سياسي، واقتصادي، وكاتب. ومعروف بتطويره للنظرية الاجتماعية لاقتصاد المشاركة. وقد تُرجم الكتاب إلى أكثر من 20 لغة، ولكن الإحالات على النت عنه باللغة العربية ما زالت محدودة للغاية باستثناء بعض التركيز في المغرب.

كان بداية تحوله إلى النشاط السياسي عندما كان يدرس الفيزياء في MIT سنة 1965، وذلك لاعتراضه على تمويل المؤسسة العسكرية الأمريكية للجامعة.

 

What Is To Be Undone? (1974)

Stop the Killing Train: Radical Visions for Radical Change, (1994)

Thinking Forward: Learning To Conceptualize Economic Vision, (1997)

Moving Forward: Program for a Participatory Economy, (2001)

The Trajectory of Change: Activist Strategies for Social Transformation, (2002)

Parecon: Life After Capitalism, (2003) 

Thought Dreams: Radical Theory for the 21st Century, (2003)

Realizing Hope: Life beyond Capitalism, (2006)

Remembering Tomorrow: From SDS to Life After Capitalism, A Memoir, (2007)

Occupy Theory (2013)

Occupy Vision (2013)

Occupy Strategy (2013)

Practical Utopia: Strategies for a Desirable Society, preface by Noam Chomsky (2017)

 

Co-authored

Unorthodox Marxism, with R. Hahnel (1978)

Socialism Today and Tomorrow, with R. Hahnel (1981)

Marxism and Socialist Theory, with R. Hahnel (1981)

Liberating Theory, with Noam Chomsky and others (1986)

Talking about a Revolution: Interviews with Michael Albert, Noam Chomsky, Howard Zinn etc. (1998)

Quiet Revolution in Welfare Economics, with R. Hahnel (1990)

Looking Forward: Participatory Economics for the Twenty First Century, with R. Hahnel (1990)

The Political Economy of Participatory Economics, with R. Hahnel (1991)

 

 

يقع الكتاب في أربعة أبواب: الأول بعنوان "القيم والمؤسسات"، والثاني "الرؤية الاقتصادية المشاركية"، والثالث "الحياة اليومية في اقتصاد المشاركة"، والرابع "نقد اقتصاد المشاركة"، وبعدد إجمالي من الفصول 26، وبعدد صفحات 359.

اقتصاد المشاركة: هو نظام اقتصادي جديد مستحدث يحاول حل المعضلة القائمة بوجود خيار اقتصادي وحيد –من الناحية العملية- على المستوى العالمي، وهو الخيار الرأسمالي الذي أصبح متوحشا متعولما قاتلا!

إنه نظام بديل للرأسمالية قائم على مجموعة من القيم الإيجابية: التضامن والمساحة والتنوع والإدارة الذاتية، وتتحقق هذه "الجمهورية الفاضلة" من خلال مجموعة من المؤسسات المستحدثة مثال مجالس العمال ومجالس المستهلكين ومركبات العمل والملكية وتخصيص الموارد، وذلك طبقا لمفاهيم مختلفة للعمل والاستهلاك والإشباع تمثل في ائتلافها رؤية اقتصاد المشاركة.

 

يدعو الكاتب إلى خلق مؤسسات بديلة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية؛ فقد تحول الصندوق عن هدفه في ضمان استقرار أسعار صرف العملات ومساعدة الدول الأعضاء في حماية أنفسها من التقلبات المالية، وبدلا من ذلك انصرف همه إلى إلغاء كل القيود على تحركات رأس المال والسعي المحموم لتحقيق الأرباح، كما تحول البنك الدولي إلى أداة تابعة للصندوق، إذ يمنح القروض مكافأة للدول التي تفتح الباب على مصراعية للشركات عابرة الحدود، ويمنعها عمن يرفض. أما منظمة التجارة العالمية فقد رفعت شعار التجارة باعتبارها الأصل والتنمية هي الفرع، وبالتالي وضعت التنمية في خدمة التجارة!

 

لذا فإنه يقترح إنشاء مؤسسات مناهضة: استبدال IMF بوكالة الأصول الدولية International Asset Agency، والبنك الدولي بوكالة دولية لمساعدة الاستثمار Global Investment Assistance Agency، ومنظمة التجارة العالمية بوكالة التجارة الدولية التي تجعل التنمية قبل التجارة!

 

هذا على مستوى تنظيم الاقتصاد الدولي في تصور مايكل ألبرت، فماذا عن مستوى الاقتصاد المحلي؟

 

أهم عناصر الرؤية الاقتصادية الداخلية في رؤية مايكل ألبرت تتمثل في التالي:

1. يعبر المستهلكون والعمال عن رغباتهم ومصالحهم عبر مجالسهم الديمقراطية، وتتخذ القرارات استنادا إلى معيار التناسب بين درجة التأثر باتخاذ القرار والتأثر بنتائج القرار.

2. يُنظم العمل بناء على مركبات العمل المتوازنة، حيث يؤدي كل عامل توليفة من المهام والمسؤوليات توفر له قدرا من التمكين والمردود يعادل ما توفره توليفات مماثلة يؤديها العمال الآخرون.

3. يُكافئ العاملين بالتناسب مع مشقة العمل وطول فترة العمل، وليس على أساس الملكية أو الموهبة الفطرية أو المهارات أو أدوات الإنتاج المستخدمة.

4. تُخصص الموارد عن التخطيط بالمشاركة، حيث تقوم مجالس المستهلكين والعمال بالتعبير عن تفضيلات المستهلكين وأنشطة العمل في ضوء تقييمهم لمجمل العائد الاجتماعي والتكلفة الاجتماعية.

 

أما عيوب التخطيط المركزي فتكمن في أنه يتجه من أعلى إلى أسفل، ويخلق من الناحية العملية طبقية تناقض النظرية.

 

كما يتناول الكاتب حركة ما يسمى اقتصاد التضامن solidarity economics ولها العديد من المؤيدين في أمريكا اللاتينية (وخاصة البرازيل) وأوروبا وأماكن أخرى، وامتدح نجحت تعزيز العلاقات الاقتصادية التضامنية بين المشاركين بدلا من عمل كل منهم ضد الآخر، ولكنها ما زالت قاصرة لأنها لا تحقق: التنوع، والعدالة والإنصاف المطلق، والإدارة الذاتية.

 

ويتناول الكاتب أيضا مفهوم الموازنة التشاركية participative budgeting الذي تم تطبيقه في البرازيل والهند، وفكرته إيجاد وسيلة للتنظيم المباشر المحلي الذي يُمكن المواطنين من التأثير على القرارات الخاصة بالاستثمارات الجماعية المتعلقة بالخدمات الحكومية، وامتدحه كما قارن بينه واقتصاد المشاركة، قائلا إن الأخير حجمه أكبر ولا يشمل السلع العامة فقط، بل كل السلع، ولا يُيسر مشاركة المستهلكين فقط، بل ومشاركة العمال أيضا.

 

الباب الأول: القيم والمؤسسات

يبدأ هذا الفصل بتعريف ماهية الاقتصاد "نظاما لإنتاج الثرورة وتوزيعها واستهلاكها"، ويُبسط الكاتب المفهوم عبر شرح للقارئ غير المتخصص، وذلك تمهيدا لتناول المفاهيم الأكثر تعقيدا في الأبواب والفصول التالية.

 

كما يتطرق إلى المفاهيم الاقتصادية الرئيسة في نظره: علاقات الملكية، ومؤسسات التخصيص (الأسواق التنافسية، والتخطيط المركزي، والتخطيط الأفقي)، وتقسيم العمل، والمكافأة، واتخاذ القرار.

 

ثم يعرج على أنواع التخطيط الاقتصادي: الرأسمالية، والاشتراكية بنوعيها (ملكية الدولة والتخطيط المركزي)، واقتصاد المشاركة.

 

يطرح الكاتب في الفصل الثاني 4 أسئلة أساسية عن القيم يقول بوجوب الإجابة عليها:

1. العدالة: ما المقدار الذي يجب أن يحصل عليه الناس، ولماذا؟

2. الإدارة: ما نوع السلطة التي يجب أن تكون للناس؟

3. التنوع: هل ينبغي تنويع السبل إلى الإنجاز أم الحد منها؟

4. التضامن: هل ينبغي للناس أن يتعانوا أم يتنافسوا؟ + معيار الكفاءة.

 

وفي الفصل الثالث يتناول الكاتب بالتفصيل أنواع الاقتصادات التي أشار إليها في الفصل الأول ويصدر "حكمه" على مدى تطبيقها للأسئلة الأساسية التي طرحها في الفصل الثاني، إضافة إلى العوامل التالية:

الملكية الخاصة، وتقسيم العمل في النظام الرأسمالي وبصفة خاصة في الشركات، والتخطيط المركزي.

 

أتوقف قليلا عند نقده لاشتراكية السوق، فإن الكاتب يرى أنها تحسين على الرأسمالية لقضاءها على الملكية الخاصة، ولكن هنا طبقة المنسقين تزداد مكانة ونفوذا مستغلة احتكارها النسبي للعمل الذهبي واعتماد اتخاذ القرار للوصول إلى مكانة حاكمة. لقد ذهب الرأسماليون، وبذلك اختفى أهم عامل يؤدي إلى تفاوت الدخل، غير أنه لا يزال هناك تقسيم وحكم طبقي، ولا يزال هناك اغتراب وسوء تخصيص، ولا يزال هناك تقسيم للعمل يسبب لمعظم الفاعلين قدرا من الملل أكبر مما هو مبرر، بينما يحفظ لعدد قليل نسبيا قدرا أكبر من النفوذ والمكافأة.

أما تناوله للاشتراكية المخططة مركزيا، فيصفه بأنه يتضمن وسائل للمخططين وغيرهم من العمال الذهنيين في طبقة المنسقين لدفع مصالحهم لتصبح فوق مصالح العمال.

 

يختم الكاتب التحليل بالقول بأن الرؤية الجديدة (اقتصاد المشاركة) تعالج العيوب في الأنظمة السابقة، قائلا بأن المكونات المؤسسية والتنظيمية الأساسية لها:

- الملكية الاجتماعية بدلا من الخاصة.

- مجالس العمال والمستهلكين المتداخلة ومركبات العمل المتوازنة بدلا من تنظيم أماكن العمل الخاص بالشركات.

- المكافأة على الجهد والتضحية وليس على الملكية والنفوذ والمنتج.

- الإدارة الذاتية المشاركة بدلا من الحكم الطبقي.

 

 

الباب الثاني: الرؤية الاقتصادية المشاركية

بعد أن يطرح الكاتب في الباب الأول المنطلقات المبدئية لنظريته، ينطلق الكاتب في تناوله لموضوع هذا الباب من مبدأين رئيسين في تناول قضية الملكية، فيقول:

1. لا ينبغي لأحد أن يكون له نفوذ غير متناسب لأن له علاقة بامتلاك وسائل الإنتاج تختلف عن علاقة غيره بها.

2. لا يبنغي لأحد أن يكون له دخل أكثر من المعقول، ولا ينبغي لإنسان أن يتلقى أي شيء غير المكافأة حسب الجهد والتضحية، أو حسب الحاجة إذا كان لا يمكنه الحاجة، ولا ينبغي بحال من الأحوال ارتباط دخل أي شخص بامتلاكه لوسائل الإنتاج.

ثم يطرح بشكل تفصيلي النواحي التطبيقية لنظريته:

 

1. مجالس العمال: يقول الكاتب إن ترك القرارات التي تؤثر تأثيرا ضخما على أي مجموعة من العمل لهم ولمجالسهم فحسب، فإن مجالس العمال التي تقوم على مُدخل متساوٍ لكل أعضاء المجلس تضع أفضل تقديراتها التقريبية للإدارة الذاتية.

 

2. مجالس المستهلكين: يشارك كل فرد أو أسرة أو وحدة اجتماعية هذه المجالس، كما تنتمي إلى مجلس استهلاك الحي الأكبر، ثم القسم الإداري بالقرية أو المدينة أو المقاطعة، وهكذا دواليك حتى تصل إلى مستوى الدولة.

 

* ثم يفاضل الكاتب بين الإجماع والأغلبية (الاستثمار في شراء جهاز تدفئة)، وغيرها من وسائل اتخاذ القرار

 

يتطرق الفصل السادس إلى جانب تطبيقي آخر، وهو مُركِّبات العمل، أي توزيع مهام العمل بصورة دورية، وبذلك لا تصبح بعض الأعمال مملة على الدوام، وكذلك نتفادى نشوء طبقة تحصل بالضرورة على أفضلية أو تحكم أكبر في صناعة القرار بسبب حيوية أعمالهم النسبية أو حصولهم على المزيد من النفوذ والمعلومات. (ليس بالضرورة أن يؤدي المهندس عمل جراح المخ مثلا، ولكن ينبغي خلق توزيع دوري يحقق المصلحة والإشباع والمساواة النسبية، ويخضع كل ذلك للاتفاق الجماعي). أيضا مثال العامل في منشأة أبحاث الذي يحتاج إلى أداء أعمل أكثر مشقة لننحو إلى مزيد من المساواة.

 

أما الفصل السابع، فيتطرق إلى المكافأة وكيفية تحقيق العدالة والمساواة في منظور اقتصاد المشاركة. إن المساواة في الاستحقاقات لا تعني بالضرورة الحصول على نفس الامتيازات، ولكنها تعني تحقيق العدالة بحسب الاتفاق من منطلقات تحقيق العدل وتلبية الاحتياجات ومراعاة الموهبة والتدريب والجهد والحاجة.

 

يناقش الفصل الثامن مسألة التخصيص (مثالا بناء حوض سباحة في الحي على النفقة العامة أو من مخصصات الاستهلاك الشخصية لمجموعة ما إذا كانت الأغلبية تعارض المشروع).

 

السؤالان الرئيسان هما: ما إذا كان مبدأ "لكل حسب جهده" عادلا أم لا، وما إذا كان هذا المبدأ الخاص بالتوزيع يتسق مع الكفاءة أم لا.

يجسد الاقتصاد الرأسمالي مبدأ التوزيع الذي يقول "لكل حسب قيمة مساهمته الشخصية ومساهمة ما لديه من أملاك"، أما في اقتصاد المشاركة، فالسبب الوحيد الذي يجعل الناس يحصلون على مستويات مختلفة من الاستهلاك فهو الفروق في جهد العمل (حيث يُقاس الجهد من حيث ساعات العمل) أو الاختلافات في الحاجة في حال وجود ظروف خاصة.

 

يختم الكاتب هذا الباب عن اقتصاد المشاركة بتقييم لما يحققه من عدل وتضامن وتخصيص وتنوع ومحو للطبقية لأن:

1. ليست هناك ملكية خاصة لوسائل الإنتاج.

2. لم يعد ثمة وجود للهيكل التنظيمي الخاص بالشركات، إذ تحل محلها مُركِّبات العمل المتوازنة التي تمحو التمييز القائم على النفوذ أو الدخل.

3. تُحدد المكافأة حسب الجهد والتضحية، فلا توجد طبقة آمرة أو عاملة (لا طبقات أعلى أو أدنى ماليا). الجميع مُنتِج ومستهلك بلا تمييز طبقي.

 

الباب الثالث: الحياة اليومية في اقتصاد المشاركة

يهدف هذا الباب إلى توضيح صورة الحياة اليومية المتوقعة في حال تطبيق اقتصاد المشاركة. يضرب الكاتب مثالا من وحي تجربته العملية (ناشر كتب):

تتم الكتابة والتحرير والتصميم بصورة عامة كما كان عليه الحال قبل اقتصاد المشاركة، ولكن مع استخدام التقنية قدر الإمكان للتقليل من التأثير البيئي السلبي، ولكن فيما يتعلق بالترويج والإعلان عن العناوين سوف يساعد الناشرون المشاركوين القراء المحتملين إذا أرادوا إلقاء نظرة على العناوين، ولن يكون هناك خداع للناس ليشتروا كتبا لن يستفيدوا منها، ولن تكون لدى العمال رغبة في تبديد الموارد أو الطاقة أو الوقت في إنتاج منتجات قليلة الجودة.

بالمثل تشرف إدارة المالية والميزانية على الجدولة حسب الحدود التي يضعها مجلس العمال، ويختلف العمل المالي والموازني عن المعايير الرأسمالية المألوفة في التعامل مع البيانات ونشرها، حيث يحصل العاملون في الإنتاج وبقية العاملين أيضا على أي معلومات تتصل الشركة وليس فقط الماليون أو مسؤولو الترويج.

كما يتم توزيع مهام العمل بين الأفراد على فئتي الأعمال الإبداعية والإنتاجية بمعيار العدل وزيادة الفرص والتأهيل المهني المستمر لتحقيق المساواة.

 

ثم يناقش الكاتب بعض أوجه النقد التي قد تُطرح عن اقتصاد المشاركة:

1. إذا كانت فرص الاستهلاك متكافئة رغم الفرق في الجهد المبذول، فلن يكون لدى الأشخاص سبب لكي  يعملوا بكامل مواهبهم وقدراتهم.

الرد: الجهد متوازن إلى حد كبير، وبالتالي ينبغي موازنة الاستهلاك إلى حد كبير أيضا. أما الاختلافات الفردية في الجهد وبالتالي في الاستهلاك فمقبولة ومتوقعة إلى حد كبير في اقتصاد المشاركة، ويمكن للأشخاص أن يختاروا العمل بقدر أكبر من الجد أو لفترة أطول، أو ربما الشروع في أعمال أشق لم يسبق تخصيصها ولكن لا بد من إنجازها. باختصار، يمكن للأشخاص أن يعملوا أقل ويستهلكوا أقل، أو يعملوا أكثر ويستهلكوا أكثر، وفي كلتا الحالتين يتناسب الأمر مع ما ينطوي عليه ذلك من جهد وتضحية.

 

2. إذا كان الأجر متساويا مقابل الجهد المتساوي، فلا يوجد حافز ليدرب الأشخاص أنفسهم لكي يكونوا الأكثر قيمة من الناحية الاجتماعية.

1. يوجد سبب وجيه للاعتقاد بأن الناس عموما يفضلون التدريب في المجالات التي لديهم فيها موهبة وميل أكبر، وعلينا فقط تجنب الأمور التي تحبط العزيمة. لن يسلك الناس سبلا أخرى للعمل يكونون فيها أقل قدرة على التفوق في عمل ذي مكافأة مالية أكبر لأنه ليست هناك مكافأة مالية أكبر من ذلك في مكان آخر.

 

3. من الصعب قياس الجهد بدقة، بينما لا يصعب قياس النتيجة، ولذا يجب (حسب المفهوم الرأسمالي) ومن الناحية العملية مكأفاة الأداء.

ليس هذا صعبا دائما، فمن تولى مثلا تدريس الطلاب وتقدير درجاتهم يعلم بوجود طريقتين مختلفتين لقياس الأداء: مقارنة أداء الطلاب فيما بينهم (المنتج) أو تقدير مدى الإحسان الذي كان متوقعا من الطالب (الجهد) والتحسن الفردي. وزملاء العمل أيضا يعرفون ماضيك وحاضرك في الأداء.

 

في الفصول التالية يجيب الكاتب على تساؤلات أخرى: هل يضحي اقتصاد المشاركة بالموهبة؟ وهل يضع الجودة بعد العدل؟ هل يفرض اقتصاد المشاركة اجتماعات أكثر من اللازم؟ هل يضحي بالإنتاجية بسبب تحريه للعدل والمساواة بين العاملين؟

ثم يجيب على تساؤل ما إذا كان اقتصاد المشاركة نوعا أو تحويرا جديدا للاقتصاد الاشتراكي، ويفند تلك النظرة موضحا الاختلافات الجوهرية بينهما.

 

يختم الكاتب بتناول مسألة ما إذا كان اقتصاد المشاركة يتناسب وطبيعة البشر (الأنانية، الأخلاق.. إلخ).

 

 

 

 

 

 

 

الجمعة، 11 سبتمبر 2020

 

توثيق التراث الشفهي السوداني- 3

معتصم الحارث الضوّي

SudanDocuCentre@gmail.com

21 مايو 2020

 

تركنا صاحبنا يغادر ديوان النائب العامة بخطوات متثاقلة. وقف تحت شجرة ظليلة في شارع البرلمان يفكر بالأمر، وضاقت الدنيا عليه بما رحُبت، بل وتناشبته مشاعر القنوط، ولكن فجأة أشرقت في ذهنه فكرة:

تأجيل الموضوع حتى.. سقوط النظام!

 

الآن وقد سقط هُبل، حان الوقت لنفض الغبار عن المشروع وإعادته إلى الطرح العام لكي يرى النور، ويجني شعبنا ثماره، ولا يخفى على ذي بصيرة أنه ليس هدفا في حد ذاته، بل وسيلة مثلى لتحقيق غاية نبيلة، ألا وهي توثيق التراث الشفهي الذي يُخشى أن نفقد معظمه إن لم نسارع بالعمل، وتفعيل التواصل الثقافي بين المكونات المتباينة للشعب السوداني، وتصحيح اللُحمة الاجتماعية التي تمزقت شذر مذر، وتجذير الوحدة الثقافية تأسيسا وترسيخا للوحدة الوطنية، إذ لا وحدة وطنية بين أعراق تنظر إلى بعضها البعض بدونية مقيتة، ولا حديث عن تنمية شاملة -ننشدها جميعا- والمواطن يخضع أينما حل وذهب للتصنيف والمواقف المسبّقة بناء على لغته وعرقه وثقافته، ولا سلام دون فهم الآخر والقبول به، ولا نهوض إلا بخلق أمة تتجانس وتتكامل اجتماعيا ومعرفيا في إطار فسيفساء رائعة من التنوع.

 

لقد طرح صاحبنا منذ عدة شهور فكرة أوّلية أسماها "ثالوث الانعتاق"، ومفادها بأن الحل الناجع للمشكلة المعقدة التي تعانيها بلادنا يقتضي العمل الدؤوب والمتزامن على ثلاثة محاور؛ الإعلام والتعليم والمجتمع المدني، ولعمري أن إنشاء مركز سوداني أهلي لتوثيق التراث الشفهي إحدى السبل التي تسعى على المحاور الثلاثة من أجل نهضة البلاد ورفعة أهلها.

 

إن العديد من الجهات تبذل جهودا مضنية لرصد التراث وتوثيقه، وتشمل دار الوثائق القومية السودانية، ومركز الدراسات السودانية، والمكتبة الوطنية السودانية، ومكتبة جامعة الخرطوم، ومعهد الدراسات الإفريقية والآسيوية بجامعة الخرطوم، ومركز محمد عمر بشير للدراسات السودانية بجامعة أم درمان الأهلية، ومكتبة الإذاعة والتلفزيون، وغيرهم كثير.

 

أما المركز الأهلي المقترح لتوثيق التراث السوداني الشفهي ففكرة تسعى إلى التعاون الوثيق مع تلك الجهات؛ لتتكامل الجهود ويتضافر العمل، خاصة وأن ذاكرة بلادنا تحمل من الذخيرة الثقافية والمعرفية غير الموثقة ما ينوء برصده وتوثيقه جهة بذاتها، ومهما تعاظمت إمكانياتها المالية والبشرية.

 

هنا أُذكرُ بتجارب الشعوب الأخرى التي أدركت أهمية التوثيق وحققت عبره إنجازات ضخمة في خلق أمم متجانسة؛ يدرك كل من مكوناتها ثقافة الآخر، ويوقرها، ويحتفظ لها بمساحتها المرموقة في الثقافة الجمعية للشعب.

 

أمامنا تجارب الهند وماليزيا وأمريكا وغيرها من الشعوب التي سعت، وما تزال، لإنشاء الأوطان عبر بوابة التعزيز للوحدة الوطنية، والتي تستند بدورها إلى ثقافة معرفة الآخر واحترامه في دولة التعايش الحضاري النبيل.

 

بعد سقوط النظام الأسوأ على مر التاريخ أمامنا الآن فرصة فريدة لنبني وطنا "وفق ما نهوى"، فلا مكان الآن للتسويف والتأجيل، بل الوقت للعمل وفق استراتيجيات مدروسة، وخطط تنفيذية عقلانية.

 

انتهى الحديث هنا، ولنبدأ العمل.

 

مرحبا بكم (على البريد الإلكتروني أعلاه، ولاحقا عبر وسائط أخرى) للتواصل الثر والتفاكر الإيجابي، ولنضع أيدينا معا من أجل بناء الوطن المنشود.

 

 

رابط النشر على المدائن بوست

https://almadayinpost.com/2256.html